تشهد الدول العربية اختلافات كبيرة في حجم ديونها العامة وسط تحديات اقتصادية وجيوسياسية متصاعدة وتقلبات في أسعار الطاقة وتباطؤ النمو العالمي. ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أبريل 2025، تتراوح نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بين أقل من 5% في بعض الدول لتتجاوز 250% في دول أخرى.
يتصدر السودان قائمة الدول العربية الأعلى مديونية بنسبة 271.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، مع توقع انخفاضها إلى 251.9% في 2025، بسبب تراكم الديون وفوائدها على مدار عقود طويلة، إضافة إلى سوء الإدارة، والعقوبات الاقتصادية، وفقدان جزء كبير من عائدات النفط بعد انفصال جنوب السودان. كما ساهمت الاضطرابات السياسية المستمرة والحرب الأهلية الحالية في تفاقم الأزمة الاقتصادية هناك.
ويأتي لبنان في المرتبة الثانية بنسبة دين عام بلغت 164.1%، نتيجة اعتماد الحكومات المتعاقبة على الاقتراض لتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، ثم دخول البلاد في أزمة مالية منذ 2019، والتي تفاقمت بفعل جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، ما أدى إلى توقف الدولة عن سداد سندات اليوروبوند.
وتحتل البحرين المركز الثالث بنسبة دين 134% في 2024، مع توقع ارتفاعها إلى 141.4% هذا العام، رغم حصولها سابقًا على حزمة دعم خليجية بقيمة 10 مليارات دولار. أما في الأردن، بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 95.9% خلال 2024، ويُرتقب أن تتراجع إلى 92.55% هذا العام، بحسب صندوق النقد، وبعد أن تراجع الدين العام بمعدل كبير منذ التسعينيات حتى 2007، عاد للارتفاع ثانية منذ 2009، نتيجة استمرار العجز المالي وارتفاع عجز الميزان الجاري، بالتزامن مع ضعف النمو الاقتصادي، والاعتماد على التمويل الخارجي في سد عجز الموازنة. أما مصر، فبلغت نسبة دينها العام 90.9% في 2024، مع توقعات بانخفاضها قليلًا هذا العام، في ظل استمرار التحديات المتعلقة بخدمة الدين، وتراجع إيرادات قناة السويس نتيجة الهجمات على السفن في البحر الأحمر. يُذكر أن الدول العربية ذات نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة تشمل أيضاً تونس 83.1%، واليمن 70.94%، والمغرب 70.03%، وفق بيانات صندوق النقد عن 2024.
في المقابل، تُعد الكويت الأقل مديونية بين الدول العربية بنسبة دين عام بلغت 3%، تليها السعودية بنسبة 29.9%، ثم الإمارات 32.1%. وعُمان 35.5%، ثم قطر بنسبة 40.8%. ويرجع ذلك إلى الفوائض المالية من عوائد النفط، والسياسات المالية الحذرة.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن تأثير الدين العام على النمو يختلف حسب طريقة توظيفه. ففي الدول منخفضة الديون، قد يسهم الاقتراض في دعم الاستثمار والبنية التحتية والتعليم والصحة، بينما يضغط الدين العالي على الموازنات العامة، خاصة إذا خُصص لسد العجز بدلًا من توجيهه للاستثمارات المنتجة.
من جانب آخر، يحذر صندوق النقد من أن ارتفاع الدين، خاصة الخارجي، يجعل الدول أكثر عرضة للصدمات مثل تقلبات أسعار الفائدة وأسعار الصرف والأزمات الجيوسياسية، كما حدث في مصر مع تراجع إيرادات قناة السويس بسبب التوترات الأمنية في البحر الأحمر.
وفيما تعتمد دول مثل مصر والأردن وتونس على برامج دعم وتمويل من صندوق النقد والبنك الدولي لتحقيق استقرار مالي، تواجه دول أخرى مثل السودان ولبنان تحديات أكبر تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة لخفض عبء الدين وضمان استدامة أوضاعها المالية على المدى الطويل.





