شهدت دول الخليج العربي خلال العقد الأخير تحولات بارزة في الدور السياسي للمرأة، حيث باتت المرأة تشغل مناصب قيادية وتشارك في صنع القرار على مستويات مختلفة. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، سواء كانت مجتمعية، اقتصادية، أو سياسية، إلا أن الحكومات الخليجية استطاعت، من خلال سنّ التشريعات وإطلاق المبادرات والبرامج الداعمة، تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية. ومع ذلك، فإن تحقيق تمكين كامل للمرأة لا يزال يواجه عدداً من العقبات.
التحديات التي تواجه تمكين المرأة في دول الخليج:
لابد لفهم التطور الذي حدث في تمكين المرأة في دول الخليج ان يتم أولا تسليط الضوء على التحديات في منطقة الخليج والمنطقة العربية ككل، فمشاركة النساء في دول الشرق الأوسط بشكل عام لا زالت متأخرة ففي العام 2018م، على سبيل المثال كانت المشاركة النسائية في القوى العاملة في العالم تبلغ نسبة 39% بينما بلغت في الشرق الأوسط 20,3% فقط.
هناك مجموعة من العوامل المترابطة والمتراكمة تمثل في مجملها تحديات امام دور المرأة، منها عوامل تتعلق بالبيئة الدينية والنظام السياسي والوعي العام والتعليم ومفهوم المواطنة. ويمكن تصنيف التحديات التي تواجه تمكين المرأة سياسيًا في دول الخليج في ثلاث مجموعات:
1- التحديات المجتمعية
لا تزال العادات والتقاليد تشكل أحد العوائق الرئيسية أمام تمكين المرأة سياسيًا في بعض دول الخليج. فالنظرة التقليدية لدور المرأة في المجتمع تُقيّد مشاركتها في الشأن العام، وتجعل من الصعب عليها الترشح للمناصب الانتخابية أو تولي مواقع قيادية.
ورغم التغيرات الإيجابية في العقود الأخيرة، إلا أن بعض المجتمعات الخليجية لا تزال تنظر إلى العمل السياسي كحقل يقتصر على الرجال. في بعض الأحيان، تواجه النساء تحديات إضافية عند محاولتهن الانخراط في الحياة السياسية، مثل الضغوط الاجتماعية أو عدم تقبل فكرة قيادة المرأة لمؤسسات سياسية. ومع ذلك، فإن هذه النظرة بدأت في التغير بفضل جهود التوعية والمبادرات الحكومية التي تهدف إلى تعزيز دور المرأة في المجتمع.
2- التحديات الاقتصادية
يعتبر الجانب الاقتصادي من أبرز العوامل التي تعيق المرأة الخليجية عن الدخول بقوة إلى المجال السياسي. فخوض المنافسات السياسية يتطلب موارد مالية، ودعمًا من جهات مختلفة، سواء من الأحزاب أو رجال الأعمال أو الناخبين أنفسهم. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل وتوفير بيئة اقتصادية داعمة، إلا أن وصولها إلى الاستقلال المالي الكامل لا يزال يمثل عقبة أمام انخراطها الفعّال في السياسة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة في الأجور بين الجنسين في بعض القطاعات قد تؤثر على قدرة النساء على تمويل حملاتهن الانتخابية، مما يحدّ من خياراتهن مقارنة بالمرشحين الرجال الذين قد يتمتعون بموارد أكبر.
3- التحديات السياسية والتشريعية
بالرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته دول الخليج في إشراك المرأة سياسيًا، لا تزال بعض القوانين والإجراءات تحتاج إلى مزيد من التحديث لضمان تمثيل أكبر للمرأة. فعلى سبيل المثال، في بعض الدول، لا تزال مشاركة المرأة في الانتخابات والهيئات التشريعية محدودة مقارنة بالرجل، كما أن طبيعة النظام السياسي قد تؤثر على فرص النساء في الوصول إلى مواقع صنع القرار.
وفي بعض الحالات، تقتصر مشاركة المرأة في الحكومات والمجالس الاستشارية على تعيينات محدودة، مما يجعل دورها غير متكافئ مع الرجل في صنع السياسات واتخاذ القرارات الكبرى. ومع ذلك، هناك جهود مستمرة لإصلاح هذه الأنظمة وتعزيز الحضور النسائي في المؤسسات الحكومية.
بالإضافة الى ذلك هناك قيود لا زالت موجودة على مستوى الدول العربية في المجمل مثل ضعف مؤسسات المجتمع المدني وانخفاض حضور المرأة في برامج القوى السياسية والأحزاب ومحدودية الموارد المالية، ومن ضمن هذه القيود: محدودية التعيين في المناصب القيادية والسياسية، محدودية برامج التعليم والتطوير السياسي للمرأة، المسؤولية الاسرية: حيث تعتبر المسؤولية الاسرية ورعاية الأطفال من معوقات التفرغ للعمل السياسي، صعوبة الحصول على التمويل: تجد المرأة صعوبة في الحصول على التمويل المالي للحملات الانتخابية السياسية، الى جانب كل ذلك يأتي الضغط النفسي والاجتماعي: تواجه النساء العاملات في السياسة ضغوطا نفسية واجتماعية بسبب التوقعات الاجتماعية العالية والخوف من الانتقاد.
التشريعات والإجراءات الخليجية لتمكين المرأة:
ونظرا للاهتمام في دول الخليج بدور المرأة وتطوير هذا الدور في الحياة السياسية، قامت دول الخليج بعدد من الإجراءات والتشريعات التي أسهمت إيجابا في تمكين المرأة وتسهيل المشاركة السياسية لها، شملت هذه الإجراءات تعينات في كل دول الخليج لنساء في مناصب قيادية سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وتخصيص كوتا للنساء في بعض دول الخليج، وإقامة برامج دعم ورؤى تختص بتمكين المرأة.
اتخذت دول الخليج خطوات ملموسة في السنوات الأخيرة تتعلق بتحسين قدرة النساء على الحصول على التعليم والرعاية الصحية والوظائف وكذلك تشجيعهن للمشاركة في الحياة السياسية، ففي السعودية على سبيل المثال تم رفع القيود على حرية التنقل والحصول على جوازات السفر والانتقال دون اذن ولاة الامر، وحظر التمييز في مكان العمل وسن قوانين لحماية المرأة من الاضطهاد او التحرش الجنسي في مكان العمل.
تمكين المرأة في قطر: الإنجازات والتحديات
شهدت دولة قطر خلال السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في تمكين المرأة وتعزيز دورها في مختلف المجالات، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي. ويأتي هذا التطور في إطار رؤية قطر الوطنية 2030 التي تضع تمكين المرأة كأحد أولوياتها، انطلاقًا من إيمانها بأهمية تعزيز حقوق المرأة وضمان مشاركتها الفعالة في التنمية المستدامة.
تحرص دولة قطر على تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين في مجالات التعليم والتوظيف والرعاية، مما جعلها تتصدر دول المنطقة في مؤشرات المساواة بين الجنسين. وتعد قطر من الدول التي تمتلك أعلى معدل لمشاركة المرأة في سوق العمل، كما أنها تحقق مساواة في الأجور في القطاع الحكومي.
في مجال التعليم، حققت المرأة القطرية تقدمًا كبيرًا، حيث بلغت نسبة الإناث بين خريجي كليات نظم المعلومات وهندسة الحاسوب والهندسة والطب والصيدلة والعلوم 70%، وهو مؤشر على مدى تزايد حضور المرأة في المجالات العلمية والتكنولوجية.
شهدت قطر تطورًا في مشاركة المرأة في القطاع الاقتصادي، حيث بلغت نسبة النساء في سوق العمل 58.3%، وهو ما يفوق المتوسط العالمي. كما تحقق النساء القطريات حضورًا بارزًا في مجال ريادة الأعمال، حيث وصلت نسبة النساء اللواتي يمتلكن مشروعات خاصة إلى 15%، باستثمارات تقدر بنحو 25 مليار دولار أمريكي.
أصبحت المرأة القطرية شريكًا فاعلًا في عملية صنع القرار، حيث تشغل مناصب قيادية في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، الطب، الهندسة، الدبلوماسية، الأمن، والطيران. كما كانت قطر أول دولة في مجلس التعاون الخليجي تمنح المرأة فرصة العمل كقاضية، حيث يشكل الكادر النسائي في المجلس الأعلى للقضاء أكثر من 48%، بينما تبلغ نسبة النساء في المناصب العليا في إدارة القضاء 69%.. إضافة إلى ذلك، ساهمت قطر في تعزيز الحضور النسائي في المجال القضائي على المستوى الدولي، حيث كانت صاحبة مشروع القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بجعل يوم العاشر من مارس يومًا عالميًا للقاضية المرأة. كما تولي دولة قطر اهتمامًا خاصًا بتمكين النساء ذوات الإعاقة، حيث توفر لهن برامج دعم وتمكين مهاري واقتصادي، مما يضمن لهن فرصًا عادلة في سوق العمل ومجالات التطوير المهني.
تمكين المرأة في دول الخليج العربية
ان خطوات تمكين المرأة في الخليج جاءت بناء على استراتيجيات وطنية تهدف الى تعزيز دور المرأة، ومن هذه الخطوات ما يتعلق بالمرأة في رؤية 2030 التي اطلقها الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، حيث سمح للنساء في السعودية بالمشاركة في الانتخابات البلدية، وفي قطر تم في السنوات الماضية اتخاذ إجراءات كفيلة بتعيين النساء في مناصب قيادية مهمة، وكانت البحرين اول دولة خليجية تضمن المشاركة السياسية للمرأة في المجالس التشريعية وخصصت نسبة للمرأة، ووصلت السيدة فوزية زينل الى منصب رئيسة المجلس التشريعي، وفي عمان اقرت الدولة قوانين تضمن تمثيل المرأة في البرلمانات والمجالس التشريعية .
في الامارات استطاعت الحكومة عبر الإجراءات المشجعة للمرأة على المشاركة، من تحقيق نسبة 50% من المشاركة في المناصب الحكومية، وفي الكويت كان تشجيع المرأة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمشاركتها السياسية مبكرا وهناك عدد من
النساء اللاتي تقلدن مناصب وزارية وتعد من اول الدول الخليجية التي منحت حق الانتخاب والترشح للمرأة عبر التشريعات.
وبصورة عامة تضمنت إجراءات دول الخليج لتمكين المرأة إطلاق برامج تعليمية لتمكين المرأة في الحياة السياسية، وإطلاق برامج تعليمية في هذا المجال، وإطلاق برامج تدريب في المجالات السياسية والإدارية، ومراجعة القوانين والتشريعات لضمان المساواة بين الجنسين وتعديل بعض القوانين التي كانت تحد من مشاركة المرأة وتقديم المبادرات لتعزيز ضمان تمثيل المرأة في المواقع التشريعية والتنفيذية في الدولة.
تطور الدور السياسي للمرأة في الخليج:
وبناء على هذه الإجراءات والخطوات التي عبرت عن الوعي بدور المرأة في دول الخليج، شهدت السنوات الماضية تطورا كبيرا في تمكين المرأة، حيث أصبحت المرأة في دول الخليج تشكل 30 الى 40% من اجمالي القوى العاملة، ومن الممكن استعراض عدد من المواقع التي أسندت الى نساء: في قطر تشغل ثلاث نساء حقائب وزارية تتضمن اعتبارًا من عام 2025، تضم حكومة دولة قطر ثلاث نساء يشغلن مناصب وزارية تم تعيينهن في احدث تعديل وزراي في نوفمبر 2024م هن: السيدة بثينة بنت علي الجبر النعيمي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة، السيدة لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، السيدة مريم بنت علي بن ناصر المسند، وزيرة للتعاون الدولي في وزارة الخارجية. يُظهر هذا التشكيل الوزاري التزام دولة قطر بتعزيز دور المرأة في المناصب القيادية الحكومية. اما في عمان وصلت اول امرأة الى منصب وزير في العام 2003 حيث تم تعيين السيدة عائشة بنت خلفان كرئيسة للهيئة العامة للصناعات الحرفية العمانية، وشهدت البحرين حدثا كبيرا في هذا المجال عندما تم انتخاب السيدة فوزية زنيل كرئيسة للبرلمان، وفي الامارات وصل تمثيل النساء في الحكومة الى نسبة 50%، وفي السعودية كان هناك قفزة كبيرة في تمكين المرأة والتي وصلت الى تمثيل يقارب النصف في مجلس الشورى كما تم تعيين سيدات في مناصب دبلوماسية وتنفيذية مهمة.
كما تم في دول الخليج تعيين عددا من السيدات في منصب وزير ووكيل وزارة، كما تم تعيين سفيرات لهذه الدول، وتقوم المرأة في هذه المواقع بمشاركة فعالة وحقيقية وتساهم في صياغة القرارات السياسية والإدارية والدبلوماسية، وعلى سبيل المثال تشغل السيدة امنة بنت عبدالله الضحاك منصب وزيرة البيئة في دولة الامارات ضمن عدد اخر من الوزيرات في الحكومة الإماراتية وهو منصب مهم للدولة ومؤثر في علاقاتها الدولية، كما ان السفيرة ريما بنت بندر ال سعود تشغل منصب سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن وهو مركز دبلوماسي عالي الأهمية، وفي عمان تشغل السيدة مديحة بنت احمد منصب وزيرة التربية والتعليم وتشغل السفيرة ميثاء بنت سيف المحروقية منصب سفير عمان لدى المانيا.
وفي البحرين تشغل السيدة جليلة جواد منصب وزيرة الصحة ضمن خمس وزيرات اخريات في الحكومة البحرينية، وفي الكويت تشغل السيدة نورة المشعان منصب وزيرة الاشغال العامة ضمن عدد اخر من الوزيرات في الحكومة الكويتية كما تشغل السفيرة ريم الخالد منصب سفيرة الكويت لدى المانيا.
وبصورة عامة تشهد المناصب الحكومية بمختلف مستوياتها عددا أكبر من النساء بما في ذلك المناصب الحساسة والمهمة والتي تساهم بصورة فعالة في صياغة قرارات الدولة وتحركاتها، وترتفع نسب المشاركة النسائية بشكل مطرد وهو مؤشر حقيقي على ان تمكين المرأة في دول الخليج سياسيا شهد تطورا، وان الدور السياسي للمرأة في دول الخليج يتطور، مع ضرورة الإشارة الى ان المزيد من الدعم والإجراءات لا زال مطلوب لتشجيع عدد أكبر من النساء على المشاركة السياسية وحمايتهن من أي اثار سلبية نتيجة لهذه المشاركة مجتمعيا وعائليا.