شهدت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى قطر – وهي الثانية منذ توليه الحكم – تطورًا مهمًا في العلاقات الثنائية بين البلدين، وجاءت في لحظة سياسية حرجة على مستوى الإقليم، خصوصًا مع تصاعد الأحداث في قطاع غزة. وقد حملت هذه الزيارة أبعادًا تتجاوز العلاقات المصرية القطرية، لتشمل دعم العمل العربي المشترك، وتأكيد أهمية التكاتف في مواجهة التحديات الإقليمية، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
في هذا السياق، التقى السيسي بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث ناقشا سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، مع التركيز على الملف الفلسطيني، والجهود المبذولة لوقف إطلاق النار، وتخفيف معاناة المدنيين في غزة. كما بحث الطرفان سبل دعم المبادرة المصرية لإعادة إعمار القطاع، وهي المبادرة التي حظيت بتأييد عربي واسع، ورفض قاطع لتهجير السكان الفلسطينيين.
لم تقتصر الزيارة على الجانب السياسي فحسب، بل شملت أيضًا ملفات اقتصادية واستثمارية مهمة. فقد عقد السيسي لقاءً مع ممثلين عن مجتمع الأعمال القطري، بهدف توسيع آفاق الشراكة الاقتصادية واستقطاب مزيد من الاستثمارات القطرية في مصر، التي شهدت في الفترة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من الدوحة في قطاعات حيوية، أبرزها الطاقة والبنية التحتية.
ويُنظر إلى الزيارة باعتبارها خطوة عملية نحو ترسيخ التعاون الاستراتيجي بين البلدين، خاصة في ظل تنسيق مشترك وفعّال تجاه العديد من القضايا الإقليمية مثل السودان وليبيا وسوريا. كما عكست المحادثات السياسية بين الطرفين رغبة واضحة في بناء موقف عربي موحّد يواجه تحديات المرحلة الراهنة ويعزز الاستقرار في المنطقة.
من جانب آخر، أبرزت الزيارة مدى التقارب السياسي بين القاهرة والدوحة، والذي تجلى في التنسيق المستمر حول سبل التهدئة في غزة، والدفع نحو حل سياسي ينهي معاناة الشعب الفلسطيني. هذا التناغم في المواقف يعكس عمق التحولات التي طرأت على العلاقات القطرية المصرية خلال السنوات الأخيرة، والدخول في مسار جديد من التعاون البنّاء على مختلف المستويات.
وتؤكد أوساط سياسية وإعلامية أن الزيارة تحمل رسائل قوية على المستويين العربي والدولي، فإلى جانب دعم الجهود الإنسانية في غزة، فإنها تُعبّر عن وعي سياسي مشترك بأهمية التضامن العربي كركيزة لمواجهة الأزمات المتلاحقة في الإقليم، والتي لم تعد تحتمل مواقف فردية أو متباينة.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، وما تشهده المنطقة من صراعات وأزمات اقتصادية، يبرز التعاون المصري القطري كنموذج يمكن البناء عليه. هذا النموذج، إذا ما جرى توسيعه ليشمل مجالات الإعلام والثقافة والتعليم والتنمية المستدامة، يمكن أن يكون حجر الزاوية في إعادة تشكيل دور فاعل للعرب على الساحة الدولية.
وتُعد زيارة السيسي للدوحة رسالة مفادها أن العمل العربي الجماعي لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل ضرورة استراتيجية تمليها التحديات الراهنة. كما أنها تعبّر عن رغبة حقيقية في ترسيخ أسس شراكة قائمة على المصالح المشتركة، والمضي قدمًا نحو بناء تكتلات عربية قادرة على التأثير وصناعة القرار إقليميًا ودوليًا.